نادَيْتُ مِنْ طَرَفِ العِراقِ الثاني
يا كربَلا هل تعرِفينَ مَكاني ؟
أنا فاقِدٌ وَطَناً وعِشْتُ كآبَة ً
والآنَ أفقِدُكُمْ معَ الأوطـانِ
أحبَبْتُ وجهَكِ والنّخيلُ يلـُفـُّهُ
والبُرتـُقالُ و روضـة ُ الرُمّـانِ
أحبَبْتُ طولَكِ والفراتُ يَزُفـّهُ
بالسّـُنْبُلِ الشّرْقِيِّ والريْـحانِ
أحْبَبْتُ تَلاّ ً في الشّمالِ وقلعةً
عندَ الجنوبِ مَنِيعَة َ الغـُدْرانِ
أحبَبْتُ موقعةَ الطفوفِ بأرضِها
والعلقَمِيَّ و كثرة َ الأشْجانِ
أحْبَبْتُ فيكِ سَنابِلَ الأرْزِ التي
مثْلَ الرّموشِ تـُحيطُ بالأجْفانِ
أحْبَبْتُ عُمْري فيكِ بعْدَ أُفولِهِ
والعُمْرُ قـُرْبَ حبيبةٍ عُمْرانِ
أفديكِ بالدّنيا وما يجري بها
من أشـْهُرٍ ودقائقٍ و ثواني
أفديكِ بالعُمْرِ الذي لا ينتهي
الا على وهَـجٍ من الحِرْمــانِ
أفديكِ بي و بساعتي و بلحظَتي
وبمنطقي و بصحّتي و لساني
أفديكِ بالسّفنِ التي أعدَدْتُـها
لو أنذرَ التـَنـّورُ بالطوفانِ
هُزّي مكامِنَ كلِّ ِ شئٍ في دَمِي
هَزّ النسيمِ حدائقَ الرُمّـانِ
وخذي القصائدَ من غصونٍ أيْنَعَتْ
وعليكِ تحتارينَ بالعُنوانِ
لا للجِّنانِ بفقدِ وجْهِكِ كربلا
ونعمْ بقربي منكِ للنيرانِ
يا كربلا خَفَتَتْ شموعُ مَراحِلي
و تبَدّدَتْ أضواءُ عمري القاني
ولقد خَشيتُ أموتُ بعدَكِ واقِفاً
أو ينتهي في داخِلي إنساني
فمتى سَيَنْهارُ الجّدارُ ونلتقي
إنّي مَلـَلـْتُ حِكايةَ الجدرانِ
يا قِصّة ً لم تَكْتـَمِلْ وجِراحُنا
لم تـَنْدَمِلْ بتـَقادُم ِ الأزمانِ
أجْسادُنا صارتْ تعيشُ لِوَحْدِها
بمَكانِها و قلوبُنا بمَـكانِ
زرتُ العِراقَ فلم أجدْ لي موطِناً
فخَرَجْتُ أبكي غربَة َالأوطانِ
يحْتـَلـّـُني وجَعُ العِراقِ وإنّهُ
يحْتـَلـّـُهُ جيشٌ مِن الغِربانِ
ناديتُ مِنْ طرفِ العراقِ ولم أجِدْ
وطَناً و مَلّ مِن الصياحِ لساني
باتتْ تـُطارِدُني الدّموعُ لقلْعَتي
واحْتـَلّ َ دَمْعُ مَعارِكي وِجْداني
سَلـْـني لِمَنْ سَـلـّمْتُ كلّ َ قواعِدي
قصْري المَنيفَ و عُدّتي وحِصاني
لم أنكَسِرْ يوماً بمَوْقِعةٍ ولا
لَبِسَتْ رؤوسُ الدّهْرِ مِن تيجاني
يا كربلا ولقد وقعْتُ وها أنا
نَدَماً أعَضّ ُ يَدَيّ َ بالأسْنانِ
مُرّي على جَسَدي الصّريع ِ فإنني
أصْبَحْتُ فيكِ أرى العِراقَ الثاني